نتنياهو وترامب- توقعات اليمين الصهيوني ومفاجآت غزة

المؤلف: محمُود الرنتيسي09.23.2025
نتنياهو وترامب- توقعات اليمين الصهيوني ومفاجآت غزة

منذ شهور، تدور الأحاديث حول خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتقديم اتفاق وقف إطلاق النار في غزة كبادرة حسن نية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، لحظة تنصيبه الرسمي. كان نتنياهو يطمح في جني مكاسب جمة من هذه الخطوة، سواء على صعيد تحسين بنود الاتفاق أو تحقيق أهداف أخرى.

لكن الأحداث الأخيرة في كواليس المفاوضات المتعلقة بوقف إطلاق النار في غزة تنبئ بأن طموحات نتنياهو قد لا تتحقق بالكامل مع ترامب. وقد يصاب نتنياهو بخيبة أمل مريرة إذا ما خرج ترامب في الأيام المقبلة متباهيًا بأن الاتفاق في غزة تم بفضل تهديداته للجميع، بمن فيهم نتنياهو نفسه.

في وقت سابق، ألمح العديد من المحللين، ومن بينهم توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز، إلى أن نتنياهو صعّد من وتيرة العمليات العسكرية في غزة قبيل الانتخابات الأميركية، وعرقل جهود إدارة بايدن للتوصل إلى اتفاق، "لأنه كان يمني النفس بفوز ترامب ليتمكن من إهدائه فوزًا سياسيًا".

إذ أن التوصل إلى اتفاق في عهد بايدن وقبل الانتخابات كان من شأنه أن يعزز فرص كامالا هاريس في الفوز، لكن نتنياهو آثر الاحتفاظ بهذه الهدية لترامب. وفي هذا السياق، صرح وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير في يوليو/ تموز 2024، خلال إحدى اقتحاماته للمسجد الأقصى، بأن "إبرام صفقة مع حماس سيكون بمثابة صفعة لترامب وانتصار لبايدن".

كما سعى نتنياهو، الذي راهن بكل ثقله على فوز ترامب، إلى التنسيق معه على أرض الواقع. وقد أفادت عدة صحف، وعلى رأسها واشنطن بوست الأميركية، بأن مبعوث نتنياهو ووزير الشؤون الإستراتيجية رون دريمر التقى مع ترامب خلال الحملة الانتخابية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بهدف توطيد العلاقات مع الإدارة الجمهورية في عهد ترامب، من خلال التفاهم على تقديم اتفاقات وقف إطلاق النار في لبنان وغزة كهدية للإدارة الأميركية الجديدة.

تطلعات اليمين الصهيوني الأولية

حتى وقت قريب، وتحديدًا الشهر الماضي، كان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي استقال من الحكومة مؤخرًا بسبب الاتفاق، يعلن عن نيته تقديم مشروع الاستيطان في غزة للرئيس دونالد ترامب، وكشف عن أنه بصدد طرح خطة تهدف إلى تشجيع هجرة الفلسطينيين من غزة. بل إن بعض الشخصيات اليمينية كانت تتوقع أن يدعم ترامب تجدد الحرب في غزة، وأن يؤيد خطط منع دخول الغذاء إلى القطاع.

أما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهو حليف آخر لنتنياهو، فقد كان يمهد الطريق لضم الضفة الغربية عند عودة ترامب، وأعلن بكل ثقة أن عام 2025 هو "عام السيادة على الضفة الغربية"، وعمل بدأب على تغيير الواقع على الأرض من خلال تنفيذ أكثر من 642 عملية إنفاذ في الضفة الغربية، شملت هدم المباني والدفيئات الزراعية والمخازن. كما وضع سموتريتش نصب عينيه مسألة الربط الجغرافي بين مستوطنات غوش عتصيون والقدس المحتلة، وتركزت عمليات الهدم بشكل خاص في هذه المنطقة الحساسة.

وعلى صعيد الاتفاق، كان أنصار نتنياهو يتوقعون خطة ترامبية طموحة لا تقل عن سقف مطالب نتنياهو. وفي هذا السياق، صرح الصحفي المقرب من نتنياهو، يعقوب بردوغو، بأن "لدى ترامب خطة تحافظ على المصالح الأمنية لدولة إسرائيل، وتدفع إلى تحقيق جميع أهداف الحرب. وبحسب المخطط الجديد، ستبقى إسرائيل في محور فيلادلفيا، وسنحصل أيضًا على دعم بشأن إيران وسوريا، وبالطبع سنعيد المخطوفين".

لقد بدا الأمر منطقيًا للوهلة الأولى، فترامب سبق وأن أعلن القدس عاصمة لإسرائيل، واعترف بسيادتها على هضبة الجولان السورية. وبالتالي، إذا ما قدم نتنياهو الاتفاق كهدية لترامب بصفته صانع السلام في العالم، وتزامن ذلك مع رغبة ترامب الجامحة في إيجاد حل لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، فإنه في المقابل سيحصل نتنياهو نفسه على ما يصبو إليه من ترامب في ملفات أخرى، سواء إلغاء القيود المفروضة على صادرات السلاح وملف التطبيع مع السعودية، وتحقيق حلمه الأزلي المتمثل في ضرب المشروع النووي الإيراني، وإرضاء حلفائه في ملف ضم الضفة الغربية، وتحصيل المزيد من الدعم المطلق تجاه غزة.

عوامل متضاربة

لكن الأمور لم تسر كما خطط لها نتنياهو، فقد ظهرت عوامل متضاربة عرقلت مساعيه. ففي حين كان نتنياهو يسعى جاهدًا لتأخير إبرام الاتفاق لحين وصول ترامب إلى السلطة، كان ترامب وفريقه يسعون إلى إنجاز الاتفاق قبل ذلك. ففي مارس/ آذار 2024، وجه ترامب أول دعوة صريحة لنتنياهو للإسراع في إنهاء الحرب. وفي مقابلة مع قناة فوكس نيوز، حث ترامب نتنياهو على إنهاء الحرب في غزة على وجه السرعة، وأكد أنه لو كان رئيسًا لما سمح بحدوث غزو غزة.

ورداً على سؤال حول ما يمكن أن يقوله لنتنياهو بشأن حرب غزة، أجاب ترامب: "عليك الانتهاء من الأمر، والقيام بذلك بسرعة، والعودة إلى عالم السلام. نحن بحاجة إلى السلام في العالم.. ونحتاج إلى السلام في الشرق الأوسط".

في الأيام والساعات الأخيرة، كان من الواضح أن الضغط الهائل الذي مارسه ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب للشرق الأوسط، على نتنياهو، قد ساهم بشكل كبير في قبول نتنياهو بصيغة لا تختلف كثيرًا عن تلك التي اقترحها بايدن في مايو/ أيار الماضي، مما يشير بوضوح إلى أن نتنياهو لم يحصل من ترامب على أي امتيازات تذكر على مستوى الصفقة.

كما أن الأنباء التي تحدثت عن تجاهل ويتكوف لطلب مكتب نتنياهو بتأجيل زيارته إلى تل أبيب إلى ما بعد يوم السبت، بحجة أنه عطلة دينية، وإجابته الحادة بأن هذا الأمر لا يعنيه على الإطلاق، والضغط الشديد الذي مارسه على نتنياهو، اعتبرت مؤشرات سلبية للغاية. وكما أشار حاييم ليفنسون في مقاله في هآرتس، فقد "أرغم ويتكوف نتنياهو على قبول صفقة لطالما رفضها"، واعتبر ذلك "عدوانية غير مسبوقة".

وفي إسرائيل، سادت حالة من الاستياء والتساؤلات حول كيف يمكن لترامب أن يهدد بفتح أبواب الجحيم على حماس إذا لم تطلق سراح الرهائن، ثم يقوم هو نفسه بالضغط على نتنياهو لتنفيذ الصفقة. وشعر الكثيرون بخيبة أمل كبيرة إزاء التوقعات المعلقة على ترامب. وفي هذا السياق، قال الصحفي المقرب من نتنياهو، يعقوب بردوغو: "إن الضغوط التي تمارسها إدارة ترامب علينا الآن لم تكن متوقعة على الإطلاق، وهذه الضغوط هي جوهر المشكلة".

والنتيجة المباشرة لذلك، كانت استقالة إيتمار بن غفير من الحكومة، احتجاجًا على خضوع نتنياهو لضغوط إدارة ترامب لقبول ورقة بايدن، وهو الذي كان ينتظر بفارغ الصبر أن يقدم لترامب مشروع الاستيطان في غزة. أما موقف سموتريتش فلا يزال غامضًا وحرجًا، وقد يؤجل انسحابه من الحكومة إلى شهرين أو أقل من الآن، لكن زخم الاستقطاب سيتزايد بشكل مطرد ككرة الثلج المتدحرجة.

استمرار التباين

بشكل عام، يطمح نتنياهو – كما صرح مرارًا وتكرارًا – إلى تغيير وجه الشرق الأوسط، فيما يسعى ترامب إلى تهدئة الأوضاع في المنطقة. ففي الملف الإيراني، يهدف نتنياهو إلى التصعيد، في حين أن طبيعة تصعيد ترامب تجاه إيران، والمبنية على تكثيف العقوبات الاقتصادية، تختلف جوهريًا عن طبيعة تصعيد نتنياهو، الذي يميل إلى شن هجوم عسكري مباشر على البرنامج النووي الإيراني، وهي سياسة لا تخدم رؤية ترامب العامة في المنطقة.

ومن زاوية أخرى، يتعارض هذا التصعيد مع المناخ الإيجابي الذي يرغب ترامب في خلقه لإقناع السعودية بالتطبيع مع إسرائيل، لأنه في ظل أي تصعيد مع إيران ستكون أي مصالحة هشة للغاية، وسيتم تفسيرها على أنها جزء من التحضير لمزيد من التصعيد.

ويستمر التباين بين ملف توسيع التطبيع وملف ضم الضفة الغربية، فإذا كان بن غفير قد استقال بسبب الاتفاق في غزة، فإن حلم سموتريتش في ضم الضفة قد يتبخر تمامًا إذا ما أصر ترامب على إنجاح مشروع التطبيع مع السعودية، الذي يتطلب وجود دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الإمارات العربية المتحدة كانت قد حصلت على تعهد بتعليق أو تأجيل عملية ضم الضفة الغربية، عندما انضمت إلى اتفاقيات أبراهام في ولاية ترامب الأولى.

ومن القضايا الأكثر أهمية على المستوى الفلسطيني، أن رؤية ترامب لليوم التالي في غزة تختلف بشكل كبير عن رؤية نتنياهو ورؤية اليمين المتطرف، حيث يتبنى ترامب موقف المؤسسة الأميركية الراسخ، الذي يرى أن وجود سلطة فلسطينية في غزة هو الحل الأكثر منطقية وراحة.

استشراف توجهات ترامب

صحيح أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تربطها علاقات وثيقة واستثنائية مع الرؤساء الأميركيين المتعاقبين، ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنها ستنجو تمامًا من تقلبات ترامب المعروفة، فهو شخصية يصعب التنبؤ بتصرفاتها وقراراتها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يبدو أن الاعتقاد السائد بأن ولاية ترامب الثانية ستكون امتدادًا لولايته الأولى ليس دقيقًا تمامًا، فهناك بالتأكيد تحول في الأولويات وتغيير في التوجهات.

وفي هذا السياق، أستعير بتصرف ما ذكره جيمس كرابتري في فورين بوليسي، بأن بعض الدول تشعر بالارتياح لقدوم ترامب، وتتعامل على أساس أنها تستطيع ترويضه وتوجيهه، وأنه سيكون "لينًا" في التعامل معها أو يمكن السيطرة عليه، وهذا نابع من توقع استمراره في تبني نفس السياسات السابقة.

لكن هذا الهدوء والاطمئنان يعكسان في الواقع سوء تقدير خطير، لأنه يتجاهل تمامًا إعادة صياغة ترامب لسياسة الولايات المتحدة في ولايته الثانية. ومع أنه من المؤكد ستكون هناك استمرارية لبعض السياسات الرئيسية، إلا أن ترامب في ولايته الجديدة يحمل معه تحديات جمة، وربما الكثير من المفاجآت غير السارة.

هناك العديد من القضايا والملفات الشائكة التي قد يختلف عليها ترامب ونتنياهو، حيث يرفع ترامب شعارات براقة مثل "أميركا أولاً"، و"إنهاء الحروب العبثية"، و"تهدئة الأوضاع المتوترة في الشرق الأوسط"، وهذه كلها أولويات قد لا تكون بالضرورة في صالح حكومة نتنياهو المتشددة. كذلك، فإن إنهاء الوجود العسكري الأميركي في سوريا، وهو القرار الذي تبناه ترامب سابقًا، قد لا يروق لدولة الاحتلال الإسرائيلي أيضًا.

ختامًا، لقد كانت مواجهة نتنياهو لإدارة بايدن تدغدغ مشاعر اليمين الصهيوني المتطرف، وتعمل على توحيد صفوفه خلف نتنياهو، ولكن أمام قوة الضغط الهائل الذي يمارسه ترامب، وخنوع نتنياهو الملحوظ، يبدأ اليمين في الابتعاد عنه تدريجيًا، كما حدث مع بن غفير، وربما سيحدث قريبًا مع سموتريتش. فهل سيختار نتنياهو أن يحافظ على ائتلافه اليميني المتطرف ويختار المواجهة المباشرة مع ترامب، أم سيخضع لإملاءات ترامب ويخسر بالتالي ائتلافه اليميني الهش؟ في كلتا الحالتين، يبدو أن نتنياهو هو الخاسر الأكبر.

لا يعني ما سبق أن ترامب ليس داعمًا قويًا لإسرائيل، فقد أعلن بالفعل عن نيته رفع جميع القيود المفروضة على إرسال الأسلحة إلى إسرائيل، ولكن ما نود التأكيد عليه هو أن ترامب قد لا يكون ذلك الداعم المثالي الذي كانت تتوقعه إسرائيل، وقد تأتي رياحه بما لا تشتهي سفن نتنياهو، كما حدث في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي شكل انتصارًا ساحقًا للمقاومة الفلسطينية الباسلة وللمفاوض الفلسطيني المحنك.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة